آراء

أيها الإيرانيون.. كيف صدّقتم الأمريكان؟!

بقلم: خالد عرابي

Advertisement

أعلنت سلطنة عُمان، الخميس الماضي، عن استضافتها للجولة السادسة من المحادثات الأمريكية – الإيرانية بشأن البرنامج النووي، والتي كان من المقرر انطلاقها الأحد. غير أن التطورات المتسارعة كشفت وجهًا آخر من الحقيقة، إذ لم تمضِ 24 ساعة على الإعلان، حتى كانت إسرائيل تمطر طهران فجر الجمعة بوابل من الصواريخ والطائرات المسيّرة، مستهدفة منشآت نووية وعسكرية، وأحياء سكنية، وحتى قيادات عليا في الدولة.

الهجمات الإسرائيلية، بحسب ما نشرته صحيفة واشنطن بوست، لم تقتصر على البنية التحتية والمواقع الاستراتيجية، بل شملت استهداف المرشد الإيراني علي خامنئي، والرئيس الجديد مسعود بزشكيان، وعدد من العلماء النوويين، والقيادات العسكرية، وأسفرت عن مقتل أكثر من 70 مدنيًا، بينهم قادة عسكريون بارزون. وفي بيان للجيش الإسرائيلي، تم الإعلان عن اغتيال 9 علماء وخبراء رئيسيين في البرنامج النووي الإيراني، وُصف استهدافهم بـ”الضربة المؤلمة لقدرة إيران على امتلاك سلاح نووي”.

Advertisement

هنا يبرز السؤال الأكثر إلحاحًا:

كيف صدّق الإيرانيون الأمريكان؟

كيف وثقوا فيهم بعد كل ما جرى؟!

فبعد كل ما شهدته إيران خلال الأشهر الماضية من اغتيالات وتفجيرات واختراقات أمنية، بدءًا من مقتل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، وصولًا إلى اغتيال قيادات من الحرس الثوري وفيلق القدس، بل وقيادات من حزب الله وحماس، هل لا تزال طهران تؤمن بإمكانية التفاهم مع واشنطن؟ وهل يعقل أن النظام الإيراني ما زال يُعوّل على مفاوضات تُعقد برعاية أمريكية؟!

إنها مفارقة تدعو إلى الذهول. حتى البسطاء في الشوارع كانوا يتحدثون عن أن هذه “المفاوضات” لم تكن إلا فخًا لالتقاط الأنفاس، وخدعة استراتيجية لاستدراج إيران وإضعاف موقفها. كان جليًّا منذ البداية أن الولايات المتحدة، ومعها حلفاؤها، لم تكن تنوي سوى كسب الوقت وجمع المعلومات، بانتظار التوقيت المناسب لتنفيذ الضربة.

هل يعتقد عاقل أن إسرائيل – الضعيفة عسكريًا واقتصاديًا منذ السابع من أكتوبر – يمكنها شن هذا العدوان واسع النطاق من دون تنسيق وتخطيط مع واشنطن؟ بل إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم ينتظر طويلًا حتى خرج مهددًا إيران بعد إعلانها نية الرد، مؤكدًا دعم بلاده غير المشروط لإسرائيل، ومتوعدًا بالمزيد من التصعيد.

إنها ليست حربًا إسرائيلية فقط، بل هي حملة أمريكية – إسرائيلية بصيغة منسّقة ومدروسة. وكل من تابع جولات التفاوض الخمس السابقة، كان يدرك أن الولايات المتحدة لم تكن تبحث عن حل سلمي، بل كانت تتحيّن اللحظة المناسبة لتوجيه الضربة.

ولأن أمريكا لا ولن تسمح بامتلاك إيران لأي شكل من أشكال التكنولوجيا النووية، فقد كان السيناريو مرسومًا مسبقًا، بالتعاون مع قوى إقليمية ودولية، وبصفقات معلنة وسرية، أموال تُضخ وتوازنات تُنسق. ومع ذلك، انزلقت إيران في وحل الثقة بالأمريكان!

والأدهى، أنه في خضم هذه التهديدات، تم تجميع عدد كبير من القيادات العسكرية والعلماء في موقع واحد، في خطأ استراتيجي فادح لا يُرتكب في الحروب التقليدية، فما بالك في ظل استهداف ممنهج؟ كيف لم تفكر القيادات الإيرانية بأن “لا يُجمع البيض في سلة واحدة”، فكيف يجمع العلماء والجنرالات في مكان مكشوف وهم هدف واضح ومعلن؟!

هل هي ثقة زائدة؟ هل هناك اختراق عميق داخل النظام كما صرّح أحد قادته السابقين بأن “رئيس شعبة الاستخبارات في الموساد عميل لإيران”؟! إن صح ذلك، فـ”على إيران السلام”.

الرد الإيراني الوحيد الذي بدا معقولًا حتى الآن، هو إعلان وقف المفاوضات. فقد صرّح وزير الخارجية عباس عراقجي أن استمرار المحادثات غير ممكن في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، مؤكدًا أن أمريكا لم تكن جادة في السعي لاتفاق. ولو كانت كذلك، لمنعت إسرائيل من شن هذه الهجمات.

ويجدر التذكير هنا بأن أمريكا لطالما أعدّت خططًا لاستبدال النظام الحالي، وراهنت على شخصيات مثل رضا بهلوي، نجل الشاه السابق، الذي أُعدّ في واشنطن ليكون البديل المناسب، مقابل التنازل عن البرنامج النووي وثروات النفط، وتفكيك سلطة رجال الدين.

للأسف، المشكلة ليست في تآمر أمريكا والغرب والصهيونية، بل في من يصدّقهم، في من يقرأ تصريحاتهم وتحذيراتهم ويظنها نكتًا أو خطابات جوفاء. لقد تحدثوا بوضوح عن “سايكس بيكو”، عن “الشرق الأوسط الكبير”، عن “الفوضى الخلّاقة”، وعن “الربيع العربي”… وها هم اليوم ينفذون ما أعلنوه، حرفيًا.

ويبقى السؤال قائمًا في الذاكرة:

أيها الإيرانيون.. كيف صدّقتم الأمريكان؟!

الإيرانيون
خالد عرابي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى