أيمن زيدان … عودة إلى دفء الطفولة وذكريات الشاشة

بقلم : سيلينا السعيد
لم يكن لقائي بالممثل العربي السوري المبدع أيمن زيدان لقاءً عابراً خلال مهرجان آفاق العربي المسرحي في مسقط؛ بل كان لقاءً مع الذاكرة ، مع الطفولة ، ومع الطائرات الورقية التي تحلّق عالياً فوق المنازل.
كان حضوري إلى جانبه أشبه باحتضان تلك الطفلة الخجولة التي كنْتها يوماً ، جالسةً في إحدى زوايا البيت بليلة شتوية لبنانية ، تتلفّع ببطانية دافئة ، وتصغي بعمق لما تقوله الشاشة الصغيرة … حين كانت تجسّد صوت الوطن ، ولمّة العائلة ، وملامح الحنين.
كبرتُ على مسلسلات أيمن زيدان ، وكبر معي حبّ الدراما السورية ، التي لم تكن مجرد أعمال فنية ، بل كانت وطناً ثانياً. دراما تحمل من فلسطين زرقة السماء ، ومن لبنان روح الشمس ، ومن سوريا شموخ الحكاية.
أيمن زيدان ، ذلك الوجه الذي تقمص أدوار الأب ، والصديق ، والرجل المثقل بالحنين ، كان مرآةً لكل بيتٍ عربي. حين كان يُعرض مسلسل له ، كانت البيوت تصمت. تخفت الأصوات ، وتجتمع الأسرة حول طاولة واحدة : الشاي ، الحلوى ، الحكاية ، وضوء التلفاز.
لم يكن التمثيل عنده مجرد أداء ، بل كان حالة ، لا بل هالة. كان “جميل وهناء” ، وكان “يوميات مدير عام” ، وكان وجهًا يشبهنا… كان “هوى بحري”. نضحك حين يضحك ، ونحزن حين تملأ عينيه دموع الحنين.
اليوم ، وأنا أقف إلى جانبه ، شعرتُ أنني عدتُ إلى شرفتنا القديمة ، إلى هدير الزوارق ، وأهازيج صيّادي السمك ، والعائدين من موسم الحصاد حاملين سلال التين والزيتون. هناك ، حيث يرسم البحر المتوسط مداه من الإسكندرية إلى عكّا ، ومن طرابلس إلى اللاذقية. وبين زرقة الموج وحرية السماء ، كانت طائرة ورقية تحلّق عالياً باسم الفن والوطن.
أيمن زيدان لا يمثّل فقط… هو يُذكّرنا بمن كنّا حين كنّا نحبّ الحياة على هيئة “مطر وحطب مشتعل”، وإبريق شاي بالنعناع ، وصوت الجيران من الشرفات ، و”سهرة عائلية” نختبئ فيها من برد العالم.
كم اشتقنا إليه ، وكم نحن بحاجة لمسلسل جديد. فربّما حين يعود إلى الشاشة ، تعود لمّة العائلة ، ويزهر الشوق والياسمين فينا من جديد.
شكرًا أيمن زيدان… لأنك ، من حيث لا تدري ، فتحتَ لي شباكًا على طفولتي. وأعدتني إلى رائحة زهر الليمون ، حيث كنتُ طفلةً أتربع بالقرب من جدتي وهي تخبز مناقيش الزعتر وكعك السمسم. تلك اللمّة… ذلك الدفء… تلك الذكريات كانت الدراما السورية جزءًا منها ، صوتًا من أصوات البيت ، مثل صوت فيروز في صباحات كانون.
اليوم ، وأنا ألتقي به وجهًا لوجه ، شعرتُ أن هذا الفنان لم يكن يومًا بعيدًا عنّا… لقد كان يسكن شاشاتنا ، لكن أكثر من ذلك ، كان يسكننا.
لقد غاب عن الشاشة لسنوات ، لكن حضوره ظلّ ثابتًا في الذاكرة. فهل آن الأوان لعودته؟ هل تُفتح لنا نافذة جديدة من إبداعه ، من روحه ، من بساطة أدائه وصدق تعبيره؟
نحن بحاجة لمسلسل يحمل اسمه… كما نحتاج لطفولة ثانية ، ولمّة جديدة ، ولو لساعة واحدة من صمت التلفاز حين يتكلّم أيمن زيدان.
شكرًا له… لأنه جعلني ، وسط صخب العالم ، أعود للحظة كنتُ فيها طفلة. أركض فوق رمال البحر الناعمة ، وأشمّ رائحة زهر الليمون ، وأفتح نوافذ الدفء… فقط بمجرد أن أراه.