آراء

أوقفوا الفساد .. تتوقف السرقات

بقلم : د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي

Advertisement

ينشر جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة سنويًا ، تقريره السنوي ، حول نتائج المتابعة المالية والإدارية للوحدات والهيئات الحكومية ، بجانب متابعته لوضع الاستثمارات الحكومية في الشركات المشمولة برقابته؛ الأمر الذي يُعزِّز من النزاهة ومحاربة الفساد في مؤسسات الدولة المختلفة؛ سواءً أكانت على شكل شركات أو جمعيات مهنية أو تلك التي تتبع للمجتمع المدني.

تقرير عام 2023 ، شمل العديد من المخالفات التي سجلها الجهاز خلال العام الماضي ، والتي تتطلب متابعة دورية من الجهاز مع العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة الأخرى للوقوف على أوجه الفساد والتقصير ومعرفة الحقائق قبل توجيه الاتهامات لأي مؤسسة أو شخصية أو فرد يعمل بها، سواءً أكانوا فعلًا قد دخلوا في مرحلة الفساد من عدمه؛ الأمر الذي يأخذ أحيانًا شهورًا عديدة للحصول على الردود من المؤسسات والشركات حول تساؤلات الجهاز. فمثلًا إذا كانت هناك اتهامات ضد مؤسسة ما بالتلاعب في الأموال العامة للدولة والمؤسسات الحكومية أو الشركات التابعة لها بالتعاون مع مؤسسات أخرى ، فإنَّ الأمر يتطلب مراسلة ومخاطبة الجهات الحكومية الأخرى ومؤسسات تابعة للقطاع الخاص ، والالتقاء مع بعض الشخصيات للوقوف على الحقائق ومعرفة الأخطاء وكل ما يتعلق بالأسئلة التي وجهت إليهم من قبل الجهاز.

Advertisement

كما يتطلب الأمر أحيانًا مخاطبة شركات المحاسبة والتدقيق المالي والتي قد تُجري تغييرًا في الحقائق والأرقام، وهناك قضايا مُسجلة في المحاكم بهذا الخصوص؛ إذ منيت بعض من هذه الشركات بخسائر دون التحقق مع تلك الشركات المحاسبية بصورة دقيقة خلال السنوات الماضية. وهذا ما يؤدي أحيانًا إلى بُطء الحصول على الأجوبة، وبالتالي يؤثر على إعداد التقرير والإفصاح عن تلك القضايا في وقتها، خصوصًا إذا كانت هناك شخصيات أجنبية مُتهمة، غادرت السلطنة دون معرفة الحقائق المرتبطة بالقضايا المثارة، الأمر الذي يؤدي إلى بطءٍ في إجراءات الكشف عن مثل هذه القضايا.

التقرير الأخير الذي حمل اسم “ملخص المجتمع”، تَحدّث عن استرداد بعض المبالغ المالية لصالح الخزينة العامة للدولة في حدود 177.7 مليون ريال عُماني عن السنتين الماضيتن 2023، و2022، بجانب التعامل مع 115 قضية أموال عامة، و951 شكوى وردت إلى الجهاز في هذا الشأن، حيث تعامل الجهاز مع تلك القضايا بكل معاني الشفافية والنزاهة والمساءلة والمحاسبة المطلوبة في الأنظمة الرقابية السارية في العالم.

StopHaider2 1

والقضايا التي تعامل بها الجهاز خلال العام الماضي شملت الكثير من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية بالدولة ، ومتابعتها ومدى جاهزيتها في التعامل مع المسؤوليات المناطة بها في العمل اليومي ، مع تزايد أعداد تلك المؤسسات التي شملت مجالات التعليم والصحة والسياحة والنفط والمعادن والكهرباء والمياه ، وأعمال البلديات وأعمال المؤسسات التابعة للمجتمع المدني والعقود التشغيلية لها، ومدى مشروعية المصروفات التي صرفتها في أعمال الصيانة والسفر والمنتديات والزيارات والمؤتمرات والندوات والمعارض وغيرها من الأعمال المالية والإدارية والتشغيلية لها.

وأمام هذا الكم الهائل من المؤسسات ، فإن ذلك يعني أن ثمة فساد قائم في تلك المؤسسات بالرغم من القوانين والتشريعات التي صدرت فيما يتعلق بالفساد ومحاربته؛ الأمر الذي يتطلب تعزيز الرقابة المالية والإدارية عليها خلال الفترة المقبلة لاسترداد الأموال العامة ، ومحاسبة الفاسدين ونشر أسمائهم في وسائل الإعلام المختلفة ، ليكونوا عبرة لغيرهم من الموظفين والعاملين في تلك المؤسسات. التقرير يوضِّح أن عدة أحكام صدرت في هذا الشان وأُدين المتورطون بتُهم الرشوة ، والتزوير في المحررات الرسمية والعرفية ، والاختلاس ، وإساءة استعمال الوظيفة ، والتزوير المعلوماتي في البيانات الحكومية ، وكذلك استغلال المنصب لتحقيق منافع شخصية ، وتضارب المصالح ، والتعدي على المال العام ، والإخلال بأداء الواجبات الوظيفية ، في الوقت الذي يتولى الجهاز دراسة المزيد من مشروعات القوانين واللوائح والنظم بتلك المؤسسات.

إنَّ جهاز الرقابة اليوم يعمل على تعزيز شراكته المجتمعية لمعرفة الحقائق عما يحدث في مؤسسات الدولة، الأمر الذي يتطلب التعامل بحذر مع الشكاوى والبلاغات التي ترد إليه من مختلف فئات المجتمع بمختلف الطرق. وكلما كانت هذه المعلومات تحمل حقائق دامغة عن الفساد والتلاعب من القائمين على تلك المؤسسات، فإنَّ متابعة الفاسدين ستكون أسهل، وسيُعزز ذلك من جهود المؤسسات الأخرى في توفير فرص العمل وجذب الاستثمارات وتقويم المؤسسات، وتمكين أجهزة الإعلام من التعاطي مع تلك القضايا بكل شفافية وحياد، مع تعزيز قيم النزاهة وترسيخ الثقافة المجتمعية لحماية المال العام وصون مكتسبات الوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى