أحمد زويل “عبقري النانو” حلم العلم الذي أضاء المستقبل

بقلم : سيلينا السعيد
عندما يُذكر اسم الدكتور أحمد زويل ، لا يُذكر فقط كعالم حائز على جائزة نوبل ، بل يُذكر كأيقونة للعلم والإرادة. كان رجلًا خرج من قلب مصر ليصل إلى قمة المجد العلمي العالمي ، دون أن ينسى جذوره أو يحيد عن شغفه بالعلم والتعليم. كان زويل مثالًا للعبقرية التي تتجاوز الحدود ، وللإصرار الذي يحوّل الحلم إلى حقيقة.
من دمنهور إلى نوبل
وُلد أحمد زويل في عام 1946 بمدينة دمنهور ، ونشأ في مدينة دسوق. منذ صغره ، بدأ يكتشف عالمه العلمي من خلال أسئلة ملحة عن “لماذا؟ وكيف؟”، وهي الأسئلة التي قادته لاحقًا لاكتشافات غيرت مجرى الكيمياء والفيزياء. لم يكن محبًا للحفظ التقليدي ، بل كان مهووسًا بالبحث عن الإجابات التي تكشف أسرار الطبيعة.
تخرج زويل من كلية العلوم بجامعة الإسكندرية ، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث بدأ مسيرته الأكاديمية في جامعة بنسلفانيا ، لينتقل بعدها إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك)، الذي أصبح بيته العلمي لعقود ، ليصبح أحد أهم العلماء في مجال الكيمياء الفيزيائية.
ثورة الفيمتوثانية: لحظة غيّرت العلم
لم يكن أحمد زويل مجرد عالم تقليدي ، بل كان مغامرًا في عالم الذرات والجزيئات. في عام 1999 ، حصل على جائزة نوبل في الكيمياء لاكتشافه “كيمياء الفيمتوثانية”، حيث استطاع تصوير حركة الجزيئات خلال فترات زمنية لا تتجاوز الفيمتوثانية ، ما مكنه من كشف تفاعلات كيميائية كانت مخفية عن العيون البشرية. كانت هذه اللحظة بمثابة فتح نافذة جديدة في عالم العلوم ، مكّنت العلماء من فهم كيفية تكوّن الروابط الكيميائية وتحول المواد ، ما أسهم في تطوير مجالات الطب ، الإلكترونيات ، وتكنولوجيا النانو.
عالم بوجه إنساني
على الرغم من إنجازاته العلمية المبهرة ، لم ينسَ زويل جذوره المصرية. كان شغوفًا بإصلاح التعليم في مصر ، حيث كان يرى أن النهضة الحقيقية لأي أمة تبدأ من تطوير المعامل والفصول الدراسية. حلم بتأسيس مؤسسة زويل للعلوم والتكنولوجيا ، ساعيًا لأن تصبح مركزًا علميًا عالميًا ينافس كبرى الجامعات ، ولكنه كان يدرك التحديات التي ستواجهه في هذا الطريق.
لم يكن زويل مجرد عالم في أبراج عاجية؛ بل كان إنسانًا متواضعًا ، مؤمنًا بأن العلم يجب أن يكون في خدمة البشرية. كان دائم الابتسام ، يتحدث بشغف عن العلم وكأنه فن ، وكان يحمل قضايا الشباب في قلبه ، مؤمنًا أن كل طفل لديه القدرة على أن يكون “زويلًا جديدًا” إذا توفرت له الفرصة.
رحيل الجسد… وبقاء الفكرة
في الثاني من أغسطس 2016 ، رحل أحمد زويل عن عالمنا ، لكنه ترك وراءه إرثًا علميًا لا يُقدّر بثمن. لم يكن زويل مجرد عالم ، بل كان رمزًا للحلم والمعرفة والإصرار على تجاوز الحدود. نجاحه لم يكن مجرد إنجاز فردي ، بل كان رسالة بأن الإبداع العلمي لا يعرف الجغرافيا ، وأن العلم هو الطريق لتحرير العقول وبناء المستقبل.
اليوم ، يجب أن نسأل أنفسنا: كيف نكمل ما بدأه زويل؟ كيف نحتضن المواهب ونمنحها الفرصة للتألق؟ كيف نحوّل العلم من مجرد رفاهية إلى ضرورة؟ ربما يكون هذا هو الإرث الحقيقي لرجل آمن بأن “المستقبل في العلم” ، وكرّس حياته ليجعل هذه الحقيقة واقعًا ملموسًا.